ليس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة وخلّفاه ذليلا
إنّ اليتيم هو الذي تلقى له أمّا وأبا كانا مشغولا
**********************
عندما قرأت هذين البيتين الرائعين تخيلت مئات ملايين الأيتام في العالم، فضاق صدري وشعرت بعقدة الذنب التي يجب أن يشعر بها كل إنسان يملك من الأخلاق والإنسانية ولو بالحد الأدنى. ثم فكرت أن أخفف عن نفسي ولا أحمل هموم أيتام العالم وأكتفي بهموم أيتام عالمنا العربي والإسلامي عسى ذلك أن يخفف عني هول الكارثة، ولما قرأت البيت الثاني زادت همومي أضعافا لأن في بلاد العرب والإسلام نسبة أيتامها لعدد سكانها - ولو أني لا أملك إحصائية دقيقة - فاقت غيرها من معظم دول العالم للأسف الشديد. قد يسأل سائل ولماذا هذه النظرة التشاؤمية وكيف خرجت بهذه النتيجة؟؟ وما مدى صحتها ؟؟ وهل اعتمدت في حديثك على إحصائيات موثوق بها؟؟ وطبعا لهم الحق بذلك وهناك أسئلة كثيرة قد تخطر على بال السادة القراء ولا ألومهم وردي على أسئلتهم سيكون ردا غير مباشر وسيستنتجونه من سياق الحديث والكلام.
ما سبق من حديث وكلام كان عبارة عن مقدمة موجزة تمهيدا للدخول في صلب الموضوع وللمساعدة على فهمه واستيعابه. عندما نمعن النظر وندقق جيدا في كلمات البيتين السابقين، نجد أن نظرة الشاعر كانت أكبر بكثير مما نتصور ونشعر ، فالشاعر لفت انتباهنا وأيقظنا من سباتنا وأخرجنا من دائرة معرفتنا الضيقة بأن كلمة اليتيم لا تعني فقط من فقد أحد أبويه أو كليهما وهذا ما اعتدنا على معرفته من بيتنا ومجتمعنا، وبالطبع نظرة الشاعر كانت أكبر مما تعلمناه في بيوتنا ومجتمعاتنا خاصة عندما نقرأ الآية الكريمة " فأما اليتيم فلا تقهر " كنا نظن ولا زلنا أن اليتيم هو يتيم الأب أو الأم أو كليهما فقط ، فتعريف اليتيم هو فعلا من تطبق عليه صفة اليتم السابقة، ولكن وللحقيقة أن اليتم يأتي عن طريق أسباب أخرى عديدة ،فالشاعر هنا أبرز لنا أن اليتيم الحقيقي هو من تجد له أما وأبا كانا مشغولين عنه وأهملاه بطرق عديدة ولم يجد أو كما هو من المفترض أما وأبا بجانبه يرضعانه لبن العاطفة والحب والحنان فتركاه وحيدا تتلقفه أيادي الخادمات والمربيات وأفراد المجتمع ، فنشأ لا يعرف من هو أباه ولا من هي أمه، لا بل قد يعتبر أن أمه هي تلك الخادمة أو المربية التي عاش في أحضانها واكتسب منها ضياعه وتشريده الفكري والعائلي وهذا النوع من الأطفال هم " أيتام الأب المنشغل والأم المنشغلة والأنانية ". وهم أيتاما بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى للأسف الشديد. وهناك أنواع عديدة من الأيتام لم يخطر ببالنا شيء عن طريقة يتمهم لأن وكما سبق وقلت أن البيت والمجتمع وحتى المدرسة عرفونا فقط بأن اليتيم هو من فقد أباه أو أمه أو كليهما، هذه كانت حدود معرفتنا بتعريف اليتيم. ولو أردنا أن نتكلم بإسهاب عن أنواع اليتم والتيتم لأخذ منا الوقت الكثير وقد يصاب القاريء بالملل ونكون بذلك قد فقدنا الحكمة والقصد من موضوعنا هذا، لذا سأحاول إيجاز ما تبقى من موضوعنا بابراز أنواع اليتم والتيتم بشكل مختصر ومفيد ونرجو الله أن يكون لنا خير معين على ذلك.
هناك تعريف لكلمة اليتيم من نوع آخر ...فالطفل الذي حكم على أبيه بالسجن المؤبد أو لسنوات فهو يتيم الأب ، وكذلك بالنسبة للأم فهو يتيم الأم. والطفل الذي هاجر أبوه وقطع صلته بزوجه وأبنائه فهو يتيم الأب أيضا... والطفل الذي انشغل أبوه بالهوى وتزوج بأخرى وطلق أمه فهو يتيم الأب أيضا، وكذلك الأم إذا تزوجت بشخص آخر وتركته فريسة بين يدي زوجة أبيه فهو يتيم الأم أيضا لأنه ضاع بين الشتيتين (الأم والأب) ...وهناك أصنافا عديدة أخرى من الأيتام نتيجة إهمال الأبوين فالطفل الذي فقد أباه بسبب إدمان الأب على المخدرات والمشروبات الكحولية فهو يتيم ذلك الأب الذي أحب نفسه وترك طفله للشارع تتلقفه الأيادي الخبيثة لا يلبث أن يلحق بوالده ويصبح طفل مخدرات وسجائر وكحول وجريمة، الآ ننصف هذا الطفل ونقول عنه أنه من أطفال التيتم ؟؟؟ هناك العديد من أمراض المجتمعات جعلت من ألوف الأطفال أيتاما فلا حول ولا قوة إلا بالله. تصوروا كيف أن الشاعر صنف اليتيم ليس فقط بفقد الأب أو الأم أو كليهما، ولكن نقلنا إلى معان أخرى عديدة تحت سقف كلمتي " كانا مشغولا ". لهذا السبب مسؤوليتنا ضخمة فكم من آلاف الأيتام حولنا لم نشعر بيتمهم ولم نعرهم أي اهتمام، دعونا نسارع بالعمل الفردي والجماعي على إنقاذ كل فئات الأيتام، وجميعنا الفرد والبيت والمدرسة وفي مقدمتهم الدولة مسؤولين عن إصلاح هذا الخلل في تركيبتنا الإجتماعية وحتى لا يكتب التاريخ عنا أننا أمة شعارها الكلام والنفاق و...؟!؟!