حال المؤمنين في شعباِنَّ مِنْ رحمة الله بعباده أن يَسَّر لهم مواسم الخيرات والطاعات، وجعل لهم في أيامه نفحات ليتعرض لها العباد([1])، ويرجع العاصون المذنبون لحظيرة الطاعة، ويتوبوا إلى الله عز وجل ، فتشملهم رحمته، ومغفرتُه.
فها هي قد أَظَلَّتنا مواسم المغفرة، ومواسم الطاعات، وهاهي الشهور المباركة تُهِلُّ علينا، وكأنها تَصِيح بنا: أَنْ تَجَهَّزوا فَقَد قَرُبَ مجيء الحبيب !!
هاهي الأيام تُطوى، وهاهو الزمان قد استدار، وهاهو الغائب المنتظَر قد قَرُب مجيئُه؛ إنه شهر الله رمضان، شهر الخير، شهر الصيام، شهر القرآن، شهر القيام، شهر الصدقة... إنه شهر الرحمات.
فمِن هنا كان ينبغي أَنْ نُخَصِّصَ حديثًا نُذَكِّر فيه بما ينبغي أَنْ يكون عليه المرءُ هذه الأيام من الاستعداد لتلك المواسم، وتلك الرحمات؛ حتى يَمُنَّ الله علينا بأن نكون من أهل الرحمة الذين تشملهم رحمةُ الله.
فقد أزف شهر شعبان، وهو شهر له خصوصيته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وله تعظيمه الذي ينبغي على المؤمنين أن يُعَظِّموه مثلما عَظَّمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه كان «يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»([2])، وفي رواية: «إِلَّا قَلِيلًا»([3])، وقال لما سُئِلَ ^ عن صيامه لشهر "شعبان": «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»([4])، وذلك التعظيم من النبي صلى الله عليه وسلم كان له أسباب منها:
الأول: أن رمضان موسم المغفرة، وينبغي على كل أحد -يريد الله تعالى والدار الآخرة- أن يهتم لهذه المغفرة، وأن يبذل لها وسعه، وذلك لما هيَّأ الله تعالى فيه من أسباب الرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النار.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »([5])،
وقال : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([6]).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ^: « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ »([7]).
وزاد: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانَاً واحْتِسَابَاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَّدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَ »([8]).
وله في كل ليلة عتقاء حتى إذا كان في آخر الشهر أعتق بعدد ما أعتق في الشهر كله، وأن الصائم دعوته لا ترد كما قال ^ :
«ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ»([9]).
وقد أعان المؤمنين على تحقيق ذلك بقوله: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ . وللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»([10]).
ومن ثَمَّ لم يكن عذرٌ حينئذ لأحد فقال صلى الله عليه وسلم حاكيًا عن جبريلعليه السلام: «مَنْ أتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَه أَبْعَدَه اللهُ، أَدْخَلَه النَّارَ . قُلْ آمِين . فَقُلْتُ: آمين»([11]) .
والسبب الثاني : تعمير أوقات غفلة الناس بالطاعة والعمل الصالح الذي يرفع الله تعالى به البلاء عن بقية المؤمنين.
وهو الأمر التالي الذي ينبغي على أهل الإيمان أن يهتموا به؛ أنَّ "شعبان" فُتِحَ ليتحمل المؤمنون مسئوليتهم فيه من العمل الصالح الذي يرفع الله تعالى به البلاء عن بقية المؤمنين، فمسئولية المؤمنين أمام الله تعالى، ومسئوليتهم تجاه أمتهم، وحفظِ دينهم مسئوليةٌ عظيمةٌ، وهي في محل الخطر؛ لأن ما نزل بغيرهم من المؤمنين المقصرين في أقطار الإسلام الأخرى من هلاك أو استضعاف أو بلاءٍ أو شدة يوشِك أن ينزل بهم؛ لأن ما نزل بغيرهم إنما نزل لنفس الأسباب التي يقعون هم فيها في هذه الأيام، فيوشك أن يكون شأنهم نفس الشأن، ويوشك أن يكون مصيرهم نفس المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عياذًا بالله من ذلك.
وإذا كان المؤمنون ينبغي أن يكونوا مُستعدين على كل حال فإنهم في تلك الأيام من أيام المغفرة ينبغي أن يَسْتَعِدُوا من أول يوم في شعبان ، لأن أيام المغفرة تأتي ليَزْدادُوا فيها استعدادًا، وَلِيزْدادوا فيها عملًا، وليزدادوا بها قُرْبًا من الله ، وليزدادوا فيها اجتهادًا، فمن كان مقصِّرًا أقلع، ومن كان مستقيمًا ازداد، ومن كان مُتَهَيِّئًا للرحمة إذا به يزداد من تلك الرحمة، ومن هذا التقرب إلى الله تعالى.
فإذا لم يحاول المؤمنون المهتمون اليوم أن يقوموا بتلك المسئولية الضخمة وبهذه الأعباء فَمَنْ يقوم بها؟!
وإذا لم يبلوا البلاء الحسن ، وإذا لم يدفعوا هُم فمن يَدْفَعُ ومن يبلي؟!
وإذا لم يجتهدوا في القيام بتلك الأوامر النبوية من التحقق بأسباب المغفرة فمن يجتهد؟!
وإذا ظلَّ الاجتهادُ هو مشكلةَ المؤمنين وعُقدتهم... وظلت نواياهم غيرَ معقودة عليه، ولا مُهْتَمَّةٍ به حتى في تلك المواسم من مواسم المغفرة، فمتى تنعقد تلك النوايا على الاجتهاد؟
جاء "شعبان" إذن ليتعلم فيه المرء هذا الاجتهاد وليكون هو المُقَدِّمَةَ لتلك المغفرة التي ينبغي أن يستعد المؤمنون لها الاستعداد الجيدَ -الذي طالما قصَّر فيه المؤمنون- وقالوا قولهم المعتاد الذي نسمعه كل عام بعدما خرجوا من رمضان كما دخلوا فيه: «إن شاء الله من العام المُقْبِل سوف نحاول، وسوف نبدأ، وسوف نُعِدُّ أنفسنا من أول يوم، وسوف لا يضيع علينا "رمضان" كما ضاع من قبل!» وكذا، وكذا مما نسمع من هذه الأماني، وتلك العهود التي يُعَاهِدُ المؤمنون ربهم وأنفسهم أن يتحققوا بها، وأن يلتزموا بمقتضاها، وأن يُوَفُّوا بها لله تعالى.. ثم يعودوا سيرتهم الأولى السيئة المعلومة ! فكم من قائل إنه سيبدأ وسيحاول ، ثم تغلبه نفسه أو يغلبه شيطانه ، وينقض عهده مع الله !
وقد أضافت هذه العهود السابقة سببا ثالثا للاهتمام بشهر شعبان.
السبب الثالث: الوفاء بعهد المؤمنين مع الله من الاستعداد لرمضان
فقد كان المؤمنون عندما انقضى "رمضان" الماضي، والذي قبله، والذي قبله، يقولون: من الذي حصَّل المغفرة؟ من الذي حصَّل العِتق من النَّار؟
يَا لَيْتَ شِعْرِي مَنْ المقْبُولُ فَنُهَنِّيَهُ ومَنْ المرْدُودُ فَنُعَزِّيَهُ
ثم خرج المؤمن من رمضان وعاد فجأة إلى دنياه، وإلى كَسَلِهِ، وإلى غَفْلَتِهِ، وإلى بُعْدِهِ، ولم تَعُدْ حاله كما كانت على هذه الأحوال الحسنة في "رمضان" فإذا به يَتَحَسَّر على ذلك، ويَحْزُن لما صار إليه فجأة بعد أن كان في حالة عالية، وأحوال سَنِيَّة، وأعمال رَضِيَّة، إذا به ينتقل إلى العكس، وكأنه لم يكن في "رمضان"! فلا قيام، ولا صيام، ولا ذِكْر، ولا قرآن، ولا شي. وإن كان ثَمَّ شي من ذلك فهو قليل متقطع شملته الغفلة. ثم يُعاهد ربَّه أن يعوض ذلك في شعبان القادم، وأنه سيبدأ فيه من أول يوم.
فهؤلاء قد أتاهم "شعبان" ليكون الموسم الذي فتحه الله جل وعلا لهم ليدركوا هذه العهود، وليكون تقدمة "لرمضان" لِيُنَفِّذوا عهودهم، لِيُوَفُّوا بما عاهدوا الله تعالى عليه؛ ليُثبتوا أنهم مُتحمِّلون لتلك المسئوليات، وأنهم لن يقصِّروا فيما قصروا فيه من قبل، وإنما قد جاءتهم الفرصة ليُرُوا ربهم سبحانه وتعالى، أنهم حقًا يريدون مغفرته، وأنهم حقًا يريدون أن يعتقهم من النار، وأن يخرجهم من الحالة الراكدة التي هم فيها ، ليخرجهم من ذلك كله صلى الله عليه وسلم ؛ بعفوه، وفضله وَمَنِّهِ إلى حال أحسن، وإلى موسم أعظم، وإلى تلك المقامات السامية مع الله تعالى التي يرضى عن عباده فيها.
جاء هذا الموسم ليحقق لهم ما فات عليهم في المواسم السابقة، ها قد فتح الله تعالى في أعمارهم؛ كانوا يتمنون بعد "رمضان" ماضٍ ، لو يأتي عليهم "رمضان" آخر، فإنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ »([12])، ها قد جاء وقتهم ليوفُّوا بعهودهم.. تُراهم يوفُّون ؟!
هُمْ بين أمرين: إمَّا أن يكونوا كسابق عهدهم، وإمَّا أن يُوَفُّوا مع الله تعالى لِعِلْمِهم أنَّه يمكن أن لا يعود عليهم رمضان مرة أخرى.
مَنْ الذي يضمن أن يعود عليه "رمضان" مرةً أخرى؟ ولو عاد إليه مَن الذي يضمن أن يُفتحَ له باب القبول خاصة وأنه لم يُوَفِّ من قبل، وقد خدعه الشَّيطان ومنَّاه أنَّه سيكون في "رمضان" أحسن مما كان في ذي قبل، ولم يحدث ذلك ؟!
مَنْ الذي ضَمِنَ قلبَه ؟ ومَنْ الذي ضمن أن يفتح الله تعالى له بابه؟! وقد رآه متكاسلًا؛ رآه يَدْفَع نعمة الله تبارك وتعالى، ويُعْرِضُ عنها، ولا يأخذها بقوة. هو قد أعْرضَ عن هذه الرحمة، وعن تلك المغفرة ولم يبالِ بها، وأخذها بهذا التكاسل، وهذا التواني، وهذا الضعف..تُراه بعد ذلك يفتح الله تعالى له؟!
لذلك كان أول ما ينتظره المؤمنون من هذا الشهر هو الاستعداد لرمضان كموسم من مواسم المغفرة، فإنهم يعلمون إنهم إن لم يستعدوا لهذا الشهر كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنَّ رمضان سينقضي عليهم كما انقضى غيره من قبل ، ويخرجون منه بالحسرة، ويخرجون منه بالحزن والألم، ويخرجون منه على الحال التي لا يمكن أن تتحقق بها المغفرة كما قال صلى الله عليه وسلم فيها: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([13]) .
فَمَنْ الذي أحسَّ بهذه المغفرة بعد رمضان في الأعوام الماضية؟
ومن الذي أحسَّ بهذا العتق من النار بعد رمضان ؟
ومَن الذي أحسَّ برحمة الله تعالى تنزل عليه فينتقل مما هو فيه إلى الحال الحسن، وإلى استقامة أشد على طريق الله تعالى ؟
َمَنْ الذي أحسَّ بذلك كله ؟!
([1]) عنْ أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ». أخرجه الطبراني في الكبير (ح: 720) ط. مكتبة العلوم والحكم – الموصل.وحسّنه الشيخ ناصر في الصحيحة (1890). قوله: «افْعَلُوا الْخَيْرَ»الخير هنا جميع أنواع البر (دهركم) أي مدة حياتكم جميعها؛ لأن الإنسان لا يعلم نجاتَه في أي محل ولا في أي وقت تحصل، (وتعرّضوا) أي اقصدوا ، أو من التعرض؛ وهو الميل إلى الشيء من أحد جوانبه (لنفحات رحمة الله) أي اسلكوا طرقها حتى تصير عادةً وطبيعة وسجيةً، وتعاطوا أسبابها وهو فعل الأوامر، وتجنب المناهي، وعدم الانهماك في اللذات والاسترسال في الشهوات، رجاءَ أن يهب من رياح رحمته نفحة تُسعدكم، أو المعنى: اطلبوا الخير متعرضين لنفحات رحمة ربكم بطلبكم منه ..... وفي «الصحاح» للجوهري: «نفح» الطيبُ، أي فاح ونفحت الريحُ هبت ، ونفحةٌ من عذاب قطعة. وفي «المصباح»: نفحَهُ بالمال: أعطاه، والنفحة العطية. (فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) المؤمنين فداوموا على الطلب فعسى أن تصادفوا نفحة من تلك النفحات فتكونوا من أهل السعادات.» انتهى بتصرف كثير واختصار من الفيض للمناوي رحمه الله تعالى.
([2])البخاري (1970)، ومسلم (1156) من حديث عائشة ك. وعن عَائِشَةَ ك أيضا تَقُولُ: «كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ» أخرجه النسائي (2350) وأبو داود (2431) وسكت عنه، وصحّحه الشيخ ناصر الألباني في صحيح النسائيّ (2349). وعنها أيضًا في صحيح البخاري (1969) ، وبنحوه في صحيح مسلم (1156) : «وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِى شَعْبَانَ »
([3])مسلم (1156) من حديث عائشة ك.
([4]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 5 / 201) مرفوعا إلى النبي ﷺ من حديث أسامة بن زيد t، قال الشيخ شعيب في التحقيق: إسناده حسن.
([5]) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (38)، مسلم (760) من حديث أبي هريرة t ، « قوله «إيمانا» أي تصديقًا بأنه – أي صومَ رمضان- حقُ وطاعةٌ، قوله «واحتسابًا» أي إرادةَ وجه الله تعالى، لا لرياء ونحوِه، فقد يفعل الإنسان الشيء الذي يعتقد أنه صادق، لكنْ لا يفعلُه مخلِصًا، بل لرياء أو خوفٍ أو نحوِ ذلك، يُقال «احتسابًا» أي حسبةً لله تعالى، يقال احتسبتُ بكذا أجرًا عند الله تعالى، والاسم الحسبة وهي الأجر، ... واحتسبتُ بكذا أجرًا عند الله، أي اعتددتُه أَنوِيْ به وجهَ الله تعالى، ومنه قوله عليه السلام من صام رمضان إيمانا واحتسابا ». انتهى بتصرف من عمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني. وقال الحافظ في الفتح: " قَالَ الْخَطَّابِيّ : اِحْتِسَابًا أَيْ عَزِيمَة ، وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَة فِي ثَوَابِه،ِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ، غَيْرَ مُسْتَثْقِل لِصِيَامِهِ، وَلَا مُسْتَطِيل لِأَيَّامِهِ.". اهـ. وللمؤلف خطبةٌ صوتية مهمة بعنوان « الاحتسابُ و أثره في تحقيق المغفرة » من سلسلة خطب رمضانَ 1428هـ التي بعنوان «رمضان وتحقيق المغفرة »، فارجع إليها للمزيد من الإفادة. والسلسلة متوفرة على الشبكة العنكبوتية للمعلومات الإنترنت).
([6]) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (2009)، مسلم (759 ) من حديث أبي هريرة t.
([7] ) رواه ابن ماجه (1644) ، قال المنذري : (إسناده حسن إن شاء الله تعالى) اهـ الترغيب (1491) ط. العلمية. قوله e «إنّ هذا الشهر» اسم الإشارة للتعظيم... «قد حضركم» أيْ فاغتنموا حضورَه بالصيامِ في نهاره، والقيامِ في ليله، «وفيه ليلةٌ» أي ليلةٌ واحدةٌ مبهمةٌ من ليالِيه، «خير من ألف شهر» أيْ فالْتَمِسوها في كل ليلة رجاءَ أنْ تدركوها، «مْن حُرمها» أيْ حُرِم خيرَها وتوفيقَ العبادة فيها، ومُنع عن القيام ببعضها، «فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها» أيْ حتى يتخلّفَ عنها «إلا محروم» . انظر – بتصرفٍ كثير: مرقاة المفاتيح. يُخبر اللهُ تعالى أنه أنزل القرآن ليلةَ القدر، وهي الليلة ( [ البقرة: 185 ] .قال ابن عباس وغيره: أنزل اللهُ القرآنَ جملةً واحدةً من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة من السماء الدنيا، ثم نزل مُفصّلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى مُعَظِّما لشأن ليلة القدر، التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها،: (عن مجاهدً قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألفَ شهر، ( ؛ قيامُ تلك الليلةِ خيرٌ من عملِ ذلك الرجل. وعن مجاهدٍ أيضًا: ليلةُ القدر خير من ألف شهر. قال: عَمَلُها؛ صيامُها وقيامُها خيرٌ من ألف شهر. يكثر تَنزلُ الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويُحيطون بحِلَق الذِّكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له.وأما الرُّوح فقيل: المراد به هاهنا جبريل، عليه السلام، فيكون من باب عطف الخاص على العام. وقيل: هم ضرب من الملائكة. كما تقدم في سورة "النبأ". والله أعلم.: ( قال مجاهد: سلام هي من كل أمر. وعن مجاهد أيضًا سا وتُقدَّر الآجال والأرزاق،. وعن الشَّعْبِي قال: تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد، حتى يطلع الفجر. انتهى بتصرفٍ كثيرٍ واختصارٍ من تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى؛ تفسير سورة القدر.
([8] ) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (2014)، مسلم (760 ) من حديث أبي هريرة t.
([9]) رواه البيهقي في الكبرى عن أنسٍ بن مالكٍ t مرفوعا (ح: 6620) - مجلس دائرة المعارف النظامية - حيدر آباد- ط 1، قال النووي في خلاصة الأحكام: إسناده صحيح على شرطهما. اهـ (ح: 3080) مؤسسة الرسالة – بيروت، ط1 ،سنة 1418هـ - 1997م.
([10]) رواه الترمذي واللفظ له (682) وقال:غريب، وابن خزيمة في صحيحه بنحوه (1883)، وابن حبان (8/221) وقال الشيخ شعيب في التحقيق (إسناده قوي) ، والحاكم في المستدرك (1532) وقال: (حديث صحيح على شرط الشيخين. قال الحافظ رحمه الله تعالى : «وَقَوْلُهُ " صُفِّدَتْ " ... أَيْ شُدَّتْ بِالْأَصْفَادِ ؛ وَهِيَ الْأَغْلَالُ، وَهُوَ بِمَعْنَى سُلْسِلَتْ.. وفِي تَصْفِيد الشَّيَاطِين فِي رَمَضَان إِشَارَة إِلَى رَفْع عُذْر الْمُكَلِّف، كَأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: قَدْ كُفَّتْ الشَّيَاطِينُ عَنْك فَلَا تَعْتَلَّ بِهِمْ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَلَا فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ.» اهـ من فتح الباري. «صُفِّدَتْ الشياطينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ » المردة جَمْعُ مَارِدٍ كَطَلَبَةِ وَجَهَلَةِ ، وَهُوَ- أي المارد- الْمُتَجَرِّدُ لِلشَّرِّ ، وَمِنْهُ الْأَمْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ مِنْ الشَّعْرِ ، وَهُوَ- أي العطفُ- تخْصِيصٌ بَعْد تَعْمِيمٍ، أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ كَالتَّتْمِيمِ . وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِ الشَّيَاطِينِ وَتَصْفِيدِهِمْ كَيْ لَا يُوَسْوِسُوا فِي الصَّائِمِينَ . وَأَمَارَةُ ذَلِكَ تَنَزُّهُ أَكْثَرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطُّغْيَانِ عَنْ الْمَعَاصِي وَرُجُوعِهِمْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.» اهـ من تحفة الأحوذيّ بتصرف كثير. « «وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ » ...فيه إشارة إلى أن الأزمنة الشريفة والأمكنة اللطيفة لها تأثيرٌ في كثرة الطاعة وقلة المعصية، ويشهد به الحس والمشاهدة، لتغتنم الفرصة، ويشير إلى هذا المعنى قولُه: « وينادي مناد» أي ... ببيان المقال من عند الملك المتعال «يا باغي الخير» أي يا طالب العمل والثواب «أقبل» أي إلى اللهِ وطاعتِه بزيادة الاجتهاد في عبادته وهو أمرٌ من الإقبال، أي تعال فإن هذا أوانُك؛ فإنك تُعطَى الثوابُ الجزيل بالعمل القليل، أو معناه: يا طالب الخير الُمعرِض عنا وعن طاعتنا أقبل إلينا وعلى عبادتنا، فإن الخير كله تحت قُدرتنا وإرادتنا، «ويا باغي الشر» أي يا مُريد المعصية ... أي أمسكْ عن المعاصي، وارجع إلى الله تعالى؛ فهذا أوان قبول التوبة وزمان الاستعداد للمغفرة. ولعلَّ طاعةَ المطيعين وتوبة المذنبين ورجوعَ المقصرين في رمضان من أثرِ النداءين ، ونتيجةِ إقبال الله تعالى على الطالبين... «ولله عتقاء» أي كثيرون من النار، فلعلك تكون منهم «وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»» اهـ بتصرفٍ يسير من مرقاة المفاتيح للملا على القاري رحمه الله تعالى.
([11]) من حديث أبي هريرة، رواه ابن حبان (3/188) في صحيحه، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن.
([12]) أخرجه الترمذي (3545 ) وقال: "حديث حسن غريب"، وابن حبان في صحيحه (3/189) قال الشيخ شعيب في التحقيق: (إسناده صحيح على شرط مسلم) اهـ ، كلاهما يرويه من حديث أبي هريرة t. قال المنذري: (رَغِمَ - بكسر الغين المعجمة - أي لصق بالرغام وهو التراب ذلًا وهوانًا، وقال ابن الأعرابي: هو بفتح الغين ومعناه: ذل) اهـ من الترغيب (ح:2596) .
([13]) أخرجه البخاري (38)، ومسلم (760) من حديث أبي هريرة t .
الموضوع طويل شوي بس مفيد