قصة ( وفــاء )
لقد مشيت كذي القرنين في سبب *** بلغت درباً وألغيت كذا درب
حتى استقرت عصا الترحال في عدن *** ضعت رحلي ولم أقو على الهرب
في (الشيخ عثمان) قرب الكشك انطرحت *** رجلاي أرضاً من الإعياء والتعب
بينما كنت في الأحلام متكئاً *** أجول بالفكر في التشريق والغرب
إذا غزيل صغير مقبل فرقاً *** بادي التلّــــفت حار القوم في عجب
تميس كالغصن لكن ثوبها خلقٌ *** وشعرها نصف مجدولٍ ومعتصب
جاءت وراحت وجاءت ثم ثانيةً *** وكنت في شغلٍ عنها وفي كرب
تطلّــعت في وجوه القوم والتقطت *** عين الصغيرة وجهي دون من جنبي
وغرّها أنني قد كنت ملتحياً *** ما كل ذي لحية يا أخت ذا أدب
توقّــفت برهة تلقاء ناظرتي *** وحملقتْ فاستعدت الوعي عن كثب
مدّت إلي يديها بعد أن نطقت *** بصوتها العذب كالزلزال في قلبي
ففي يديها من الأوراق ممسكة *** عريضة تشتكي من والدٍ كذب
قرأت منها سطوراً يالما قرأتْ *** عيناي من ألمٍ عن زوجة وأب
عن طفلة عمرها عام وقد ولدتْ *** يتيمة الأب حياً ليس في الترب
مضي ليتركها في حضن والدة *** رمى عليها يميناً غير ذي سبب
سألت:من أنتِ؟ قالت ــ وهي تائهة ـــ *** اسمي (وفاء) وعمري عشر في رجب
أين الوفاء وراعي البيت خائنهم ؟ *** أين الوفاء ورب البيت كالذئب
لمن أقول إذا ناديت يا أبتي *** ويا ملاذي , ويا ظهري , ويا هربي
لمن أعود لأشكو ضرب أترابي *** ومن يجفف عني دمعة الغضب
ومن يجسّ جبيني حينما أعيا *** وأي حضن يدفيني من الرهب
ما ذنب أمي إذا تاهت أو انحرفت *** في لجة البحر أو في جادة الطلب
وليس لي أو لها مأوى يظللنا *** ولم أر من حنان غير في الكتب
لله أشكو من الآباء قسوتهم *** على البنين وتقصيراً بلا ذنب
فتأت عنها بما في الجيب غلّــتها *** فلم تصدق بما حازته من جيبي
ثم انسحبت لأخفي دمعة طلبت *** مني الخروج فوافقت على الطلب
سكبت دمعي على الإسلام منهمراً *** وصرت أبكي بلا دمعٍ على العرب