قمريّة النّهرين
فلاح بن عبدالله الغريب
قد كنتِ بالأمس بدراً في ليالينا *** واليوم ليس سوى الذكرى تسلّينا
بان الزمانُ الذي أذكى عزائمنا *** وجرّعتنا الليالي من مآسينا
أرى الأماني على أطلالِ مجلسنا *** يا ليتها بقيت دهراً تناجينا
ذكرتُكِ اليوم والأنفاس لاهثة *** وهمسةٌ من زمان الود تشجينا
ذكرتُ ليلى ونجوى القلب إذ نطقت *** بأحرفٍ من مداد النور تشفينا
وليلة إذ سمت أنّات همّتنا *** في شطِّ دجلة والأشواقُ تحوينا
بغدادُ واصطفت الأحزان في لغتي *** وانسابَ دمع غزير من مآقينا
بكَتْ على مجدكِ الفتّانِ أفئدةٌ *** ترنو إلى العزّ من أمجاد ماضينا
وطائرُ الدّوح قد أضحى بلا نغمٍ *** يسبي القلوبَ على أطرافِ وادينا
يا دارَ مجدٍ أتاها اليوم حاصدُها *** وباتَ يرمقها شزْراً أعادينا
كنتِ الثُّريا على الدنيا وما فتأتْ *** بيارقُ النصر تعلو في روابينا
يا من رأى في ركابِ الحق معتصماً *** وحمحماتِ خيولِ الفتح تأتينا
وكفّ هارون إذ خطّت لنا مثَلاً *** أن سوف تعلم يا نقفور خافينا
بكِ الأماجد يا بغداد قد عشقوا *** ألحانَ قمريّة النهرين والتِّينا
يا دارَ أحمد ما أنت بهيِّنة *** ولست إلا وقاراً في مغانينا
طاف الصليبُ بأرض الطّهر فانتفضتْ *** أشاوسٌ تنصرُ التوحيدَ والدِّينا
باتتْ بك الدولةُ الكبرى بلا بصَرٍ *** وبات أبطالُنا غرّاً ميامينا
يا ربّ قلب له من ربّه مددٌ *** أفعاله أذكرتنا اليومَ حطّينا
يا دهرُ هلاّ طويت اليومَ غابرنا *** وصغتَ حاضرنا صبراً وتمكينا
بغدادُ يا دوحة الاسلام إنَّ لك *** ترنيمة قد سمت من صوتِ حادينا
حمّلتُها نبضيَ الخفاقِ إذ قفزتْ *** لخاطري ذكرياتٌ من أمانينا
هبّي إلى الجنّة الخضراء وابتسمي *** فالنصرُ بعد قليلٍ سوف يأتينا